Menu

شرح مفهوم إدارة التغيير: الشرق الأوسط مثالًا

Celine Chami
Dec 05, 2022

عند الحديث عن التغيير التنظيمي، من البديهي أن يخطر في بالنا الشرق الأوسط وكيفيّة تعامل المنطقة مؤخّرًا مع التغيير.

فلم يواجه الشرق الأوسط موجة التغيير التي تجتاح العالم أجمع فحسب، بل رسم خارطة طريق خاصة للانتقال من اقتصاد يقوم على النفط إلى اقتصاد خدمات، مع التركيز على تلبية احتياجات المواطنين. تسير المنطقة بخطى ثابتة نحو تحقيق هذا الهدف الذي من المرتقب إنجازه في السنوات القليلة المقبلة.

يتيح هذا التحوّل لدول الشرق الأوسط الحدّ من اعتمادها على النفط وتعزيز قدراتها في قطاعات التكنولوجيا والتعليم والمال والعلوم. كما وأنّ الرؤى الوطنية التي وضعتها كل من هذه الدول تتمحور حول أهداف واضحة إن كان لناحية التنمية البشرية أو الاقتصادية أو التقنية أو البيئية.

هكذا إعادة للهيكلة على صعيد الدولة، كما هو الحال في الشرق الأوسط، تتطلّب التقبّل من جانب القوى العاملة، في القطاعَين العام والخاص، كشرط أساسي للنجاح. لذا يتوجّب على كل مؤسّسة تطبيق إجراءات مهمّة لإدارة التغيير للتأكّد من أنّ الموظّفين جاهزون للتغيير وموافقون عليه، على أن يتمّ تطبيق هذه الإجراءات بسلاسة تامّة بحيث لا تؤثّر على سير العمل. ينطبق هذا بشكل خاص على المؤسّسات الريادية والسابقة لعصرها التي تنظر إلى إعادة الهيكلة على أنّها فرصة للتأقلم والمرونة والنمو. كما تتيح لها إعادة الهيكلة النظر مجدّدًا في رؤيتها على صعيد داخلي، لتتماشى مع رؤية الدولة على نطاق أوسع، ومراجعة نماذجها التشغيلية، وهيكلها المؤسّساتي، ومستوى التزام كوادرها البشرية.

فما الذي يُمكن أن نتعلّمه عن إدارة التغيير من إحدى المناطق الأسرع نموًّا في العالم؟ وكيف تواكب المؤسّسات هذا التغيير ضمن هيكلها الداخلي، وتشجّع فرقها لتكون جزءًا من التغيير؟

بحسب “جيل و. باين”، البروفسور في مجال السلوك التنظيمي في كلية آي إي للأعمال، يجب أن تتأقلم المؤسّسات مع المطالب المتغيّرة في بيئتها الخارجية، إذا ما أرادت الحافظ على استمراريّتها والبقاء في دائرة المنافسة. بالنسبة إليها، يتمّ دفع عجلة التغيير من خلال التمكين، وذلك بتشجيع كل فرد من أفراد الشركة على الانخراط والمشاركة في تحقيق الأهداف المرجوّة من التغيير، عوضًا عن تحمّل عبء الأوامر المفروضة من قِبل الإدارة العليا.

في البداية، لا بدّ من فهم السبب وراء ضرورة إحداث التغيير، ثمّ تحديد وجهة المؤسّسة فور اكتمال رحلة التغيير. ولا بدّ من أن توضح رؤية القادة بأنّ وضع المؤسّسة المستقبلي سيكون أفضل من وضعها الراهن ويستحقّ كلفة التغيير.

ثالثًا، يجب أن يفهم الفريق كيف ستنتقل المؤسّسة من وضعها الراهن إلى وضعها المستقبلي المنشود، ويُمكن إيضاح ذلك من خلال خطّة عمل استراتيجية.

بحسب جاد بيطار، الشريك والمدير المفوّض في “بوسطن كونسلتينج جروب”، قبل حدوث التغيير على مستوى هيكل المؤسّسة، لا بد من أن يتجلّى على ثلاثة صُعد أساسية: المؤسّسة برمّتها، والإدارات الأساسية والأفراد الأساسيّين.

بعد تحديد أبرز المعنيّين، يُمكن للمؤسّسات تنفيذ إعادة الهيكلة لتكييف قدراتها ومعطياتها على نحوٍ يخدم الأهداف الاستراتيجية المحدّدة، ويُمكن اتّباع هذه المقاربة لتحقيق التغيير التنظيمي، إلى جانب مقاربات أخرى متاحة تخدم الهدف.

في معرض الشرح، يقول سعد الحاج، مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة “هيدسبرنج” إنّه عند التعامل مع التغيير، أو حتّى إطلاق عجلة التغيير، داخل نطاق المؤسّسات، من الطبيعي أن يتكيّف بعض الناس مع الفكرة، فيما يحاربها الآخرون، أمّا البقيّة فترضخ للأمر الواقع. ينطبق ذلك على منطقة الشرق الأوسط كما سائر أنحاء العالم. ترتكب معظم الشركات خطأ إطلاق عجلة التغيير على الصعيد الداخلي، فتُخاطر بوظيفة التعليم والتطوير من خلال الاعتماد على أوائل الكوادر البشرية التي تتكيّف مع الواقع الجديد لتحقيق التغيير.

يرى سعد أنّه من الأفضل تغيير نمط التفكير لدى جميع العاملين في المؤسّسة، والتركيز أكثر على عنصرَي الثقافة والتواصل داخل المؤسّسة لتهيئة الظروف والأرض الخصبة للتغيير.

يوضح جاد بيطار بأنّ تشجيع الفرق على تقبّل التغيير يُعتبَر من أصعب النواحي في هذا السياق، إذ يصعب إحداث التغيير على صعيد الثقافة والأفراد، مقارنةً بالسياسات وهيكلية المؤسّسة، التي يسهل تغييرها نسبيًا.

ويرى جاد أنّ التغيير يبدأ على مستوى الفرد. يجب أن تأخذ المؤسّسات في عين الاعتبار فوائد التغيير بالنسبة إلى كل فرد من الفريق، وتحدّد دوره المستقبلي بوضوح، قبل حدوث التغيير وبعده. لا بدّ من أن تكون الأهداف النهائية واضحة ومتطابقة مع قيم الأفراد، كما يجب تزويد الأفراد بالأدوات اللازمة لاجتياز التغيير بنجاح.

القيادة واضحة الأهداف

المؤسّسة التي تقتدي بالأهداف هي تلك التي تسعى إلى صنع تغيير لا يقتصر على منتجاتها وخدماتها.

يقول سعد الحاج إنّ القادة يجب أن يمتلكوا أجوبة واضحة على الهدف من التغيير والسبيل إلى تحقيقه.

وبفضل القيادة النافذة والتحويلية، يُمكن للمؤسّسات تحقيق التغيير باتّباع آليّات وأساليب تتمحور حول الهدف.

يشرح جاد أنّ التغيير الاعتباطي غالبًا ما “يدمّر القيم” ويزعزع استقرار فرق العمل، قائلًا: “لتنجح عمليّة التغيير، لا بدّ من تعميم الهدف منه على صعيد المؤسّسة برمّتها، بما في ذلك الأفراد ضمن فرق العمل”.

بحسب جيل باين من كلية آي إي للأعمال، فإنّ هدف المؤسّسة يكمن عند نقطة التلاقي بين أداء المؤسّسة في أفضل أحوالها وبين دورها على صعيد العالم. لا بدّ من أن يكون الهدف صادقًا ومجديًا لجميع المعنيّين ومتطابقًا مع القيم الأساسية للمؤسّسة.

نادرًا ما يتغيّر الهدف مع مرور الوقت، لكن الرؤى العديدة والمتطوّرة التي تصبو نحو التغيير يُمكنها أن تخدم الهدف نفسه طوال عُمر المؤسّسة. بالنسبة إلى جيل، الهدف والتغيير يسيران معًا جنبًا إلى جنب إذا كانت الرؤية موحّدة.

أمّا جاد، فيرى أنّ “القيادة واضحة الأهداف ليست عصا سحرية، بل أداةً مهمّة لها مفعول على بعض الموظّفين. بالتالي، لا بدّ من تحديد خارطة واضحة للجهات المعنية لتطوير الأدوات المناسبة لكل فئة عاملة في المؤسّسة”.

تعزيز حسّ المسؤولية

من شأن تعزيز حسّ المسؤولية لدى الموظّفين تمكينهم من التحكّم بطريقة أداء أدوارهم وبتأثير ذلك على التغيير.

ترى جيل أنّ كبار القادة قادرون على توضيح الأهداف “الشاملة” للتحوّل التنظيمي وإظهار التقدّم المُحرَز نحو تحقيق أبرز الأهداف الأساسية. أمّا الأفراد في المؤسّسة، فلا يأخذون على عاتقهم دورهم ومساهمتهم في التغيير إلا بعد فهم دور فريقهم و/أو إدارتهم في خطّة التغيير.

يعتبر سعد أنّ مسألة تحمّل المسؤولية الكاملة هي أحد أهمّ مفاتيح النجاح عند تطبيق وتنفيذ مراحل التغيير في المؤسّسات. يتوجّب على القادة اعتماد ثقافة تقوم على تَشارك الأخطاء والصراحة. برأيه، هذه هي الطريقة الأكثر فعالية للتعلّم والنمو على صعيد الفرق. عندها يصبح القادة والموظّفون في المؤسّسات توّاقين لتحمّل المسؤولية والمساهمة في التغيير عوضًا عن التخوّف من معاقبتهم في حال الفشل.

تشرح جيل كيف أنّ تحمّل المسؤولية كاملةً بدوره يستطيع تشجيع الإبداع والابتكار، إذ يشعر كل فرد من الفريق بالتمكين ليكون فاعلًا في دوره لتحقيق التغيير. وتقول: “عندما يشعر أفراد المؤسّسة بأنّهم معنيّون بالتغيير، يلعبون دورًا فاعلًا ليخدموا الأهداف المحدّدة على نطاق دورهم وفريقهم و/أو إدارتهم”.

مكافأة الأداء

يوضح سعد بأنّ الأداء ليس خيارًا يستند إلى نظام التقدير والمكافآت، بل يجب أن يقترن بالأنظمة والأدوات والقيادة الداعمة داخل المؤسّسة. يبذل العديد من الناس في المؤسّسات قصارى جهدهم للحصول على المكافأة على أدائهم، لكن النظام والقيادة يفتقران إلى الأدوات والمواصفات اللازمة لمساندة هؤلاء.

في معرض الشرح، يقول سعد: “إنّ أداء المؤسّسة وأداء الموظّفين وجهان لعملة واحدة. في حالات عديدة، تحقّق الشركات أداءً ماليًا عاليًا، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ الكوادر البشرية تقدّم أداءً جيّدًا. بما أنّ أنظمة مكافأة الأداء مرتبطة إلى حدّ كبير بمؤشّرات الأداء الرئيسية، يجب أن تتّسم بالوضوح، واستراتيجيات تطوير الكوادر البشرية، والمعايير المرجعية القابلة للتحقيق. في حال عدم توفّر هذه العناصر، لن تتأثّر إدارة التغيير فحسب، بل أيضًا أداء المؤسّسة برمّته”.

ترى جيل أنّ مكافأة الأداء المرتبط بجهود التغيير تعزّز من السلوكيّات التي تدعم التغيير. فتكريم الإنجازات على المدى القصير والاحتفال بها يساهمان في خلق الزخم وتوليد طاقة دفع نحو تحقيق التغيير.

لكنّها تحذّر من الاحتفال بالنجاحات السريعة على أنّها انتصارات محتومة، بل يجب النظر إليها كمؤشّرات تدلّ على التقدّم المحرَز، تُثبت للموظّفين أنّ المؤسّسة تسير على الطرق الصحيح تحو تحقيق الأهداف المنشودة من التغيير. هذه الطريقة فعّالة لتحويل الرؤى طويلة الأمد إلى سلسلة من الخطوات الممكنة، وإن كانت صعبة.

تطوير الكوادر البشرية

أخيرًا وليس آخرًا، لا يجب التواني عن تدريب الكوادر البشرية وتطويرها. في سياق إدارة التغيير، يجب أن يكون الجميع معنيًّا وجاهزًا للتأقلم مع بيئات مختلفة. في هذه الحالة، لا يجب أن تكون المعارف والمهارات نقاط ضعف تعيق أداء الموظّفين أو تَحولَ دون مواجهتهم الظروف المتغيّرة.

يعتبر جاد أنّ التأقلم مع التغيير مسألة في غاية الدقّة. فإذا كانت وتيرة التأقلم بطيئة جدًا، قد لا يحدث التغيير، وإذا كانت سريعة جدًا، قد تؤدّي إلى سلوكيات لم تكُن في الحُسبان. لذا يجب على كل مؤسّسة أن تجد الوتيرة التي تلائمها لتحقيق التغيير المُجدي.

ويفسّر كيف أنّ السرعة والتأقلم يختلفان بين فرد وآخر، بحيث على بعض الأفراد التأقلم مع التغيير باكرًا فيما البعض الآخر سيتطلّب فترة أطول من الوقت، موضحًا أنّ نقطة القوّة هنا ليست الانتظام بل الزمن.

من جهته، يرى سعد أنّ تدريب الكوادر البشرية وتطويرها من خلال برامج مفصّلة هو السبيل الأفضل للتأقلم بسرعة مع التغيير. لا بدّ من أن تكون برامج التطوير متماسكة على صعيد الإدارة العليا والموظّفين، وأن تكون أهدافها واضحة. ومن أهمّ مفاتيح التأقلم بسرعة مع التغيير التركيز على تفصيل برامج التطوير بحسب الموظّفين، لأنّ هكذا برامج تركّز مباشرةً على استراتيجيات نجاح محدّدة تختلف بحسب كل مؤسّسة وتحديّاتها.

 

في الخلاصة، لا مفرّ من أن تمرّ جميع المؤسّسات بالتغيير التنظيمي بصورة مستمرّة، وإن بوتيرة مختلفة. ولاجتياز هذه المرحلة بسلاسة، من المهمّ أن تدرك الجهات المعنيّة بأنّ الكوادر البشرية يجب أن تكون جاهزة لتقبّل التغيير وأن تخطّط له وتشارك فيه. سبق وأظهرت المؤسّسات في الشرق الأوسط أنّها قادرة على رسم رؤى طموحة تقوم على التغيير الجذري، وتنسيقها. لكن بغضّ النظر عن مقرّ المؤسّسات، يجب أن تكون القوى العاملة في كل مؤسّسة مُدركة للهدف من التغيير، وعندها فقط سيتقبّل كل فرد التغيير ويكون جاهزًا للمساهمة في تحقق الأهداف المنشودة انطلاقًا من دوره.

Celine Chami

Marketing and communications consultant

Celine is a brand expert and university lecturer with over 20 years of experience. As well as working and training hundreds of companies in the MEA region, she is currently pursuing her Ph.D. in Human Resources.