Menu

الاهتمام بالصحة النفسية في مكان العمل

Celine Chami
Jul 04, 2022

أصبح موضوع الصحة النفسية على كل لسان، ولا سيّما بعد العامَين الأخيرَين المليئين بالاضطرابات، حيث اضطر الناس إلى التأقلم مع تغيّرات كثيرة فرضتها جائحة كورونا. شعر الجميع تدريجيًا بوطأة عدم الاستقرار وإقفال البلاد والحجر الصحي والتوتّر والضغط، ممّا خلق موجة غير مسبوقة من التحديّات، كان وقعها الأكبر على صحّتهم وعافيتهم.

تُشير أرقام موقع عالمنا في البيانات إلى أنّ 792 مليون شخص، أي نحو 11 في المئة من سكّان العالم، يعانون من أمراض نفسية، وأكثرها شيوعًا الاكتئاب واضطرابات القلق. يلاحَظ ارتفاع هذه النسبة في الدول العربية، التي تستأثر بـ30 في المئة تقريبًا من نسبة هذه الأمراض. ومع اقتراب جيل الشباب الحالي من سنّ الشيخوخة، سيجد نفسه بحاجة إلى عناية نفسية غير مسبوقة لمواجهة الخرف على سبيل المثال. في الواقع، يرى المركز العربي في واشنطن دي سي أنّه من المرتقب أن تزداد حالات الإصابة بالخرف بنسبة 400 في المئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2050.

وهذه الأرقام صادمة خصوصًا في منطقة لا تزال تعتبر الصحة النفسية موضوعًا موصومًا إلى حدّ كبير، تحديدًا في مكان العمل. لا يزال المصابون باضطرابات نفسية اليوم يخشون اللجوء إلى أصحاب الاختصاص للاستفسار عن صحتهم النفسية، خوفًا من التعرّض للتهميش من قبل محيطهم، أو من خسارة وظيفتهم. وقد كشفت الدراسات أنّ الاعتقاد السائد بعدم ضرورة تلقّي العلاج يُشكّل عائقًا أمام استشارة اختصاصيين لتلقّي العلاج، يفوق الوصمة الاجتماعية.

غير أنّ هذا الوضع السائد بدأ يتغيّر تدريجيًا، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى التوعية العالمية حول الصحة النفسية. فقد بادر الناس والخبراء والشركات إلى كسر المحظورات وتسليط الضوء على الصحة النفسية وضرورة التعامل معها مثل الصحة البدنية. وفي مكان العمل، يجري الحديث حول هذا الموضوع على ألسنة الموظّفين والمتقدّمين بطلبات الوظيفة الذين يطرحون الأسئلة ويتوقّعون الأجوبة عليها. ومع أنّ المؤسّسات في الشرق الأوسط لا يزال الطريق أمامها طويلًا في هذا المجال، إلّا أن القيادات بدأت تتنبّه للموضوع وتتابع عن كثب.

بحسب البروفسور سير كاري كوبر، من كلية ALLIANCE Manchester للأعمال، وأحد كتّاب مقال بعنوان “إدارة الصحة والعافية في مكان العمل خلال الأزمات وثقافة العمل عن بعد”، فإنّ العديد من الشركات بات ينتظر إلى الصحة النفسية للموظّفين على أنّها مسألة استراتيجية. تُعِدّ هذه الشركات تقارير دورية للتدقيق في سلامة الموظّفين وتحدّد الاستراتيجية للتعامل معها على مستوى فرق الإدارة العليا.

في هذا السياق، يقول البروفسور كوبر: “توجد شركات مثل شركة البناء العالمية MACE، تجري استطلاعات رأي دورية لموظّفيها حول صحّتهم، لتحديد المشاكل قبل التدخّل لمعالجتها. ثمّ يقوم مدير الصحة والعافية بالتعاون مع فرق القيادة الاستراتيجية بدرس مدى فعاليّة التدخّلات، ومساهمتها في صحّة الموظّفين وفي نجاح الشركة وأرباحها. نرى تزايدًا في اعتماد هذه المقاربة الاستراتيجية في قطاعات عديدة، من الشؤون المالية إلى التصنيع والقطاع العام”.

في دولة الإمارات على سبيل المثال، تقوم الحكومة بانتظام باتّخاذ تدابير جديدة لمعالجة المشاكل المتعلّقة بالصحة النفسية والحدّ من الوصمة الاجتماعية التي تلازمها.

إذًا كيف يُمكن للشركات في الشرق الأوسط أن تبدأ بتقبّل الصحة النفسية في مكان العمل؟

توضح مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأميركية بأنّ مكان العمل هو البيئة المثلى لخلق ثقافة تُركّز على الصحة، للأسباب الآتية:

  • هيكليّات التواصل قائمة وموجودة.
  • البرامج والسياسات تنبع من فريق واحد.
  • شبكات الدعم الاجتماعي متوفّرة.
  • يُمكن لأصحاب العمل تقديم المحفّزات لتعزيز السلوكيّات الصحية.
  • يُمكن لأصحاب العمل استخدام البيانات لمتابعة التقدّم وقياس النتائج.

التصويب على الحلول بعيدة الأمد

تحاول منظّمات كثيرة اعتماد حلول قصيرة الأمد، مع أنّ الحلّ يجب أن يكون استراتيجيًا أكثر. والأهمّ أنّه يجب على الشركات أن تفهم بأنّ فوائد معظم المبادرات لن تكون ملموسة بين ليلة وضحاها – ولهذا السبب يجب أن يكون التغيير مدمجًا في مقاربة الشركة الاستراتيجية تجاه صحّة الموظّفين وعافيتهم.

يبدأ الحلّ بطرح أسئلة بديهية، مثلًا: “لمَ يجب أن يؤدّي العمل إلى أمراض واضطرابات نفسية”؟ و”كيف يمكننا خلق بيئة عمل تشجّع الناس على تحقيق أهدف محدّدة؟” وكيف يُمكننا دمج البرامج الصحية التي تعزّز الصحة النفسية والعافية”؟

تشرح د. كارولين لوريان، رئيسة قسم التحوّل السريري في شركة SilverCloud Health، أنّ هذه المقاربة تساعد المنظّمات على فهم كيفية معالجة الأسباب الجذرية الفعلية المرتبطة بتراجع الصحة النفسية لدى الموظّفين – سواء كان ذلك نتيجة طبيعة عملهم مباشرةً (أي بيئة العمل الملموسة) أو طرق العمل غير المباشرة (مثلًا التحديات في إيجاد الموارد، أو الافتقار إلى العمليات الواضحة أو عدم إدارة التغيّرات).

تقول د. لوريان أنّه وعلى الرغم من اتّخاذ العديد من المنظّمات الخطوات لتحسين الصحة النفسية للموظّفين من خلال وضع استراتيجية تُعنى بالصحة العقلية وزيادة الاستثمار في مبادرات مختلفة، إلا أنّ عددًا أقل من المنظّمات ترجم هذه المبادرات بنجاح إلى ثقافة تؤثّر إيجابًا على الصحة العقلية. مع أنّ نشر توعية الموظّفين حول الصحة العقلية هو خطوة أولى مهمّة، لا بدّ أيضًا من أخذ عدد من العوامل المختلفة على مستوى الإدارة العليا والموظّفين لتهيئة المناخ أمام تغيّر ثقافي إيجابي.

حتّى وإن لم تبدأ الشركات بتطبيق استراتيجيات فعّالة، فإنّ اتّخاذ تدابير صغيرة يُعتبر قفزة هائلة نحو الأمام إذ يتيح للموظّفين أخذ العلم بالجهود المبذولة في هذا المجال. وتتابع كارولين قائلةً: “من البديهي أنّه بتوفير مخصّصات تُعنى بالصحة والعافية النفسية في إطار الامتيازات التي تقدّمها الشركة، يُشارك صاحب العمل الموظّفين رسالة بسيطة ولكن مهمّة، مفادها أنّ أمرهم يهمّه”.

خلق ثقافة عمل مؤاتية

بحسب مؤسّسة الصحة النفسية: “عندما نخلق بيئة عمل يتسنّى فيها للموظّفين أن يكونوا على طبيعتهم، يصبح من الأسهل لهم التحدّث عن مخاوفهم بشأن صحّتهم النفسية من دون أي خوف، وطلب المساعدة عند الحاجة. مع ذلك، يبقى قرار الإفصاح عن التوتّر والإجهاد في مكان العمل قرًارًا يُحسَب له ألف حساب. لا بدّ من أن يتحوّل مكان العمل إلى بيئة يشعر فيها الموظّفون بأنّهم على طبيعتهم”.

يحتّم ذلك على الموظّفين التحلّي بعقليّة منفتحة وتقبّل تجارب الزملاء ومشاعرهم. كما يتوجّب على مكان العمل التكيّف مع هذا الواقع، كي يتسنّى للموظّفين الاستمتاع ببعض الأنشطة الباعثة على الاستجمام، أو حتّى أخذ استراحة من العمل خلال دوام العمل الاعتيادي.

إعادة تأطير القرارات المتعلّقة بالوظيفة

من التدابير الفعّالة جدًا التي يُمكن للشركات تطبيقها السماح للموظّفين بالمشاركة في القرارات المتعلّقة بوظيفتهم، فتتيح لهم تحديد المهام أو المشاكل التي تُسبّب لهم الإجهاد، وطرح السيناريوهات الممكنة للحدّ من تأثير هذا الإجهاد. أحيانًا تكون الحلول أبسط بكثير ممّا تبدو للوهلة الأولى، وقد تكون العمل في إطار فريق على مشروع محدّد أو تلقّي التدريب في مجال ما يفتقرون فيه إلى المهارات اللازمة. تقترح د. لوريان أنّ الشركات بإمكانها فعلًا تمكين الفرق والمجموعات لصياغة مبادرات متوافقة مع استراتيجية العافية الشاملة ولكنّها في الوقت نفسه متكيّفة بحسب احتياجاتها.

عندما يشارك الموظّفون في تأطير وظيفتهم ومهامهم، يحدّدون توقّعات أفضل لهم ولمدرائهم، ويستطيعون التعامل بشكل أفضل مع الإجهاد الذي قد ينجم عن بيئة العمل.

تطبيق سياسات التعديلات الممكنة

أخيرًا وليس آخرًا، لا بدّ من أن يطبّق مكان العمل التعديلات الممكنة عند الحاجة. هذا مهمّ لتسوية ظروف العمل، كي لا يشعر الموظّفون بأنّ صحّتهم النفسية تقف عائقًا أمام إنجاز مهامهم. يجب إزالة العوائق التي تحول دون القيام بعملهم، تمهيدًا للغاية المنشودة وهي تأمين بيئة عمل شمولية حيث يُمكن لكل شخص تطوير مهاراته وإطلاق العنان لكامل قدراته.

Celine Chami

Marketing and communications consultant

Celine is a brand expert and university lecturer with over 20 years of experience. As well as working and training hundreds of companies in the MEA region, she is currently pursuing her Ph.D. in Human Resources.